شريعة من

شريعة من

الخميس، 20 أكتوبر 2011

هداية الحيارى من الثيبات والعذارى - الجزء الاول - الناشر الاستاذ علاء محمد اسماعيل

                          الاستاذ علاء محمد اسماعيل - وكيل مدرسة زور ابو الليل الاعداديه- اولاد صقر - الشرقيه - مصر - مدون -رابط المدونه  http://alfahd99999.maktoobblog.com  -                                                                                             الهاتف -0111601750-0185028120-0106719719               الايميل alfahd99999@yahoo.com- alfahd99999@hotmail.com                                                                                                                نص البحث -                                          بسم الله الرحمن
الرحيم
                            بين يدي هـداية الحيارى
إن الحمد لله ولي الحمد – نحمده نتعالى – في يسرنا والجهد، وهو الذي في
الكرب نستعين، وهو الذي ليس له قرين، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد
الأحد الفرد الصمد، فهو – سبحانه وتعالى – موضع كل شكوى، سامع كل نجوى،
عالم بكل خفية، كاشف لما يشاء من بليه، وأشهد أن سيدنا وقدوتنا ومعلمنا
ومنقذنا وشفيعنا محمد – صلى الله عليه وسلم – عبده ورسوله، صفيه وخليله.
اللهم صل عليه وعلى أله وصحبه وسلم.

أما بعد
بداية أقرر أن هذا البحث كان الدافع إليه التقرب إلى الله – سبحانه
وتعالى في علاه – ثم الإجابة على سؤال طرحته عليّ بعض الفتيات المستهترات
اللائي لا يشرف الإسلام انتسابهن إليه، ولقد تركزت
استفساراتهن                              حول:
•    حقوق المرأة في الإسلام.
•    وعن الحب والجنس.
•    وعن الحرية والاختلاط.
جاعلات ما يطلبن من أساسيات العصر الذي فيه نحيا، وبقوانينه نعيش.
وكأي مسلم غيور على دينه، تعلوه الحمية إذا ما رأي حرمات الله ُتنهتك،
وحدوده يسخر منها، وتعاليمه يستهزأ بها، وكأننا قد رددنا إلى الجاهلية
الأولى، وننتظر نزول الوحي – عليه السلام – وبعث الرسول الكريم – صلى
الله عليه وسلم – من جديد.
فاستعنت بالله أولا، وأخلصت له النية والقصد ثانيا، ثم ركبت سفينة الفكر،
وأبحرت في بحار الدنيا والأمم الماضية، أدس الأنف في كل شئ، متحلين
بالعقل لاهثا خلف الحقيقة، فلما حسن القصد، وخلصت النية، تم عون الله –
تبارك وتعالى – فجاءت أبواب البحث السبعة على النحو التالي:
الباب الأول:  وفي هذا الباب تحدثت عن: الهدف من خلق آدم وحواء، ثم كيفية
خلق كل من آدم وحواء، ثم الخطيئة والهبوط من الجنة، وذلك لكي تقف كل فتاة
سواء كانت مسلمة أم غير ذلك على السبب الذي من أجله خلقت، فتحدد هدفها
ومقصدها في الحياة، ثم تعرف كيف خلقت؟! حتى تكون معرفتها هذه طريق نسلك
خلاله لنوضح ما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، ومن ثمة تدرك أن
مطالبتها الغير مدروسة بالمساواة المطلقة بالرجل تتعرض مع هذه الخلقة.‏
الباب الثاني:
ولقد خصصت هذا الباب للحديث عن مكانة ومنزلة المرأة في العصور التاريخية
المختلفة، ولدى الأمم التي سبق وجودها وجود الأمة الإسلامية، مبتدأ
بمكانتها في العصر الفرعوني، ومنتهيا بمكانتها في العصر الجاهلي، وذلك
حتى تعرف الفتاة المسلمة وغير المسلمة كيف كانت مكانة ومنزلة المرأة قبل
الإسلام، فإذا ما قدمنا لها ما جاءت به الشريعة الإسلامية متعلقا
بالمرأة ؟! أدركت كم الفارق بين الإسلام وبين ما قبله من الأديان الأخرى
سواء كانت أديان سماوية، أم فلسفات وعقائد وضعية.
الباب الثالث:
فقد عرضت فيه لمكانة ومنزلة المرأة في ظل الشريعة الإسلامية، وذلك من
خلال: مراعاة الإسلام للقيمة الإنسانية للمرأة، واحترامه لفكرها وعقلها،
ثم شرف المساواة مع الرجل، والذي لم تحصل عليه في ظل أي دين غير الدين
الإسلامي، ثم تعرضت لمآخذ أعداء الإسلام بشأن المرأة، وكان ردي على حقدهم
وكيدهم مبني في أساسه على الحجة العقلية، والوقائع التاريخية، وشهادات
بعض المعتدلين من أهل الإستشراق، فالإضافة إلى ما جاء به العلم الحديث،
ثم يأتي دور النصوص القرآنية والأحاديث النبوية.
ولقد وفقني الله – تعالى – إلى تفنيد كل مزاعمهم الواهية، التي لا أساس
لها سوى الحقد والكيد والغل، وفي ختام هذا الباب آثرت أن أقدم بعض نصائح
ووصايا الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – للمرأة المسلمة حتى تتضح
أمامها الصورة، وينحسر الظلام عن الطريق.
الباب الرابع:
ولقد خصصت هذا الباب للحديث عن الحب لغة واصطلاحا وأنواعه وأعلى مراتبه
وأدناها، ثم وضحت
فضل التعفف في الحب ضاربا المثل بالحب العذري، وذلك لتقف كل فتاة على
اختلاف مذاهبها
على المعاني الحقيقة للفظ الحب، وما يقصد منها، وأنها تختلف كثيرا عما
تسمعه من زميلات أو زملاء الدرس، أو ما تلاحظه من خلال التلفاز، وبذلك
يستقيم فكرها، وتطمأن نفسها.
الباب الخامس:
فقد خصصته للحديث عن الزواج، فأوضحت كافة أشكال وطرائق الاتصال الجنسي ما
بين الرجل، والمرأة قبل الإسلام، وما كان ينطوي عليه ذلك الاتصال من
إذلال وتحقير لكرامة وعقل وعرض المرأة، ثم تحدثت عن تسامي الإسلام
بالغريزة الجنسية، وتنظيم الإسلام للزواج، وتقنينه للاتصال الجنسي تقنيا
ينطوي على كل الاحترام لعاطفة وعقل وكرامة المرأة، ثم تعرضت لنظرية فرويد
الواهية، التي تطالب بالإشباع الجنسي، وبينت ما ترتب على الإباحية
الجنسية التي نادى بها فرويد من مرض وهوان في أوربا، وبذلك تدرك المرأة
المسلمة بصفة خاصة وغير المسلمة بصفة عامة كيف أن الإسلام قد كرم المرأة
وأعلى من قدرها ؟!
الباب السادس:
فقد خصصته للحديث عن المرأة بين أنصارها وخصومها، وصفاتها التي لحقت بها
من: وفاء وغدر وكيد وغيره، وذلك لتقف المرأة صفة عامة على الصفات الحسنة
التي حمدت في المرأة فتتعلق بها، والسمات البغيضة فتنفر منها، وختمت
الباب ببعض النوادر والطرائف، التي يمكن للمرأة آن تأخذ منها العظة
والعبرة.
الباب السابع:
فلقد خصصته لتوجيه بعض النصائح والوصايا للمرأة، من خلال خمس مراحل تمر
بها المرأة في حياتها ابتداء
من الطفولة، ثم دورة الحيض، وانتهاء بالأمومة وما تقتضيه، ثم بحثها عن
صحة البدن، وصحة النفس وبذلك تكون كل فتاة مسلمة أو غير مسلمة على علم
ودراية بكل ما يعتريها في حياتها من رغبات وميول، ودليلها في تلك الحياة.
وفي الختام:
هذه فكرة عامة عن مشتملات البحث وما يحتويه، وأتمنى من الله – العلي
الكبير – بل أقسم عليه بذاته أن يقبله مني، ويجعله درجة من درجات السلم
الذي ارتقيه حتى أصل إلى حبه – تبارك وتعالى – فهو غايتي ومقصدي، كما
أرجوا من الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وان يكون هذا البحث خطوة في
طريق كل فتاة، وأن تجد فيه العون حتى تصل لهدفها ومرامها، سواء كانت بنتا
أم مخطوبة أو زوجة أو أما.
وأخيرا فإن كمل هذا البحث وحقق الهدف منه – فذلك من الله، أما إذا ما
اعتراه نقص فمرد ذلك النقص إلىّ وآخر دعوانا – أن الحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
                                            أبواب البحث
                                          الباب الأول

•    عمارة الكون والسبب في خلق آدم وحواء.
•    صفة خلق آدم عليه السلام.
•    صفة خلق حواء.
•    الخطيئة والهبوط من الجنة.
•    أول جريمة قتل ودور المرأة فيها.
والآن تعالين بنا نرى كل عنصر من تلك العناصر في شئ من التفصيل:
**********************************************************************
عمارة الكون والسبب في خلق آدم وحواء
شاء الحق - تبارك وتعالى – أن يخلق الكون وفق إرادته وحكمته، لُيظهر كمال
علمه وقدرته، بظهور أفعاله المتقنة المحكمة، ولُيثبت أنها لا تأتي إلا من
قادر حكيم، ولُيعبد في هذا الكون، فإنه ُيحب عبادة العابدين، وُيثيبهم
عليها على قدر فضله، لا على قدر عبادتهم وأفعالهم، وإن كان غنياً عن
عبادة خلقه، لا ُتزيد في ملكه طاعة المطيعين، ولا ُتنقص من ملكه معصية
العاصين.      قال – الله تعالى -: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا
أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو
القُوَّةِ المَتِينُ(58) ]. {الذاريات}.
ففي هذه الآية الكريمة يوضح - الحق تبارك وتعالى-: تمام الغاية التي
إليها قصد من وراء خلق الخلق، فقد أشار إلى أن الغاية من خلق الثقلين
( الإنس والجن ) تنحصر في عبادته وتوحيده – جل شأنه – لا لطلب الدنيا
والانشغال بالسعي فيها عن عبادته وتوحيده، فهو – سبحانه – لا يطلب منهم
رزقا له، ولا إلي أنفسهم، وذلك لأنه الرازق المعطي، فشأن الله – سبحانه –
مع عباده، يختلف عن شأن السادة مع عبيدهم، - ولله المثل الأعلى – فالسادة
إنما يحتاجون لعبيدهم من أجل أن ينهض العبيد بما يُوكل إليهم من أعمال،
تساعد على استمرار معايش السادة، أي أن العبيد سببا لاستمرار السادة، وفي
مقابل ذلك يقع على عاتق السادة عبء كفالة عبيدهم من حيث المطعم والمشرب
والملبس، أما حال – الحق تبارك وتعالى – مع عباده أفضل من ذلك، فهو –
سبحانه – ى يكلفهم بأي عمل سوى العبادة، والالتزام بما إليه أمر، والبعد
عما عنه نهى، وفي مقابل ذلك فهو – سبحانه وتعالى – المتكفل بأرزاقهم
وحاجاتهم – فالله سبحانه – غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه – سبحانه
– في جميع أحوالهم، فهو – جل شأنه – خالقهم ورازقهم.
قال- الله عز وجل -: ( [اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ
يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ
مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ]
{الرُّوم:40}
قال المفسرون: خلقكم لإظهار القدرة، ثم رزقكم لإظهار الكرم، ثم يميتكم
لإظهار القهر والجبروت، ثم يحييكم لإظهار العدل والفضل، والثواب والعقاب.
(1) دراسات في التفسير
الموضوعي للقرآن الكريم د/ احمد جمال العمري ص 109
قال تعالي: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ
رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ] {هود:6}
وفي الحديث القدسي: قال تعالى: [ ابن آدم، تفرغ لعبادتي؟، أملأ صدرك غنى،
وأسد فقرك، و إلا تفعل، ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك ] (2) من الأحاديث
القدسية ياسين رشدي ص 10
وقوله – جل شأنه – { عبدي: خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا
تتعب، إن قل فلا تحزن، وإن كثر فلا تفرح، إن أنت رضيت بما قسمته لك، أرحت
بدنك وعقلك، وكنت عندي محمودا، وإن لم ترض بما قسمته لك، أتعبت بدنك
وعقلك، وكنت عندي مذموما، وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض
الوحش في الفلاة، ولا تُصيب منها إلا ما كتبته لك}(3) من الأحاديث
القدسية مرجع سابق ص 10
وقال – سبحانه وتعالى – { يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته
بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا منْ هديته فأستهدوني
أهدكم، يا عبادي: كلكم جائع إلا منْ أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا
عبادي: كلكم عار إلا من ْ كسوته، فإستكسوني أكسكم، يا عبادي: إنكم تخطئون
بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي:
إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن
أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد
ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن أولكم وأخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا
على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي: لو أن
أولكم وأخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل
إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يُنقص المخيط إذا أدخل البحر،
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمنْ وجد خيرا،
فليحمد الله، ومنْ وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }(4) الأحاديث
القدسية: ج1 ص 264
ومن هنا يتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن الغاية من خلق بني آدم،
تنحصر في النهوض بعبادة الله – عز وجل – من خلال مسايرة أمور الحياة
المختلفة حيث أن العبادة كما وصفها شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
تعالى -: اسم جامـــع لكل ما يحبه الله ويرضاه من
الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج،
وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء
بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين،
والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين
والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة وأمثال ذلك – يعني – العبادة
الظاهرة.
وكذلك حب الله، ورسوله (صلى الله عليه وسلم) وخشيته والإنابة إليه،
وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل
عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك – يعني – العبادة
الباطنة.(5) معارج القبول الشيخ/ حافظ ابن أحمد حكمي ج1 ص 33، 34
وهذا وإذا كان – الحق تبارك وتعالى – قد قصد عبادة الخلق له، - سبحانه –
كسبب لوجودهم، فهو – جل شأنه – يسوق رزقه للجميع: مطيعهم وعاصيهم، مؤمنهم
وكافرهم، برهم وفاجرهم، مسلمهم ومنافقهم، فهو – جلت قدرته – لا يختص فريق
بالرزق دون فريق، وإنما رزقه – سبحانه – للجميع، ثم تأتي بعد ذلك إثابة
المطيع والمؤمن والبر والمسلم، وعقاب العاصي والكافر، والفاجر، والمنافق
فحاله – تبارك وتعالى – وحال عباده معه يدعو للعجب، ومما يؤكد قوله –
تعالى - في الحديث القدسي: [ إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد
غيري، وأرزق ويشكر غيري] (6) من الأحاديث القدسية: ياسين رشدي ص 12 كما
رواه البيهقي والحاكم.
فهذا الحديث يوضح حال العجب في تعامل الخالق - جل شأنه – مع عباده، ورد
عباده على هذا التعامل منه – تقدس اسمه – فالله – تبارك وتعالى – هو خالق
العباد، ورغم ذلك يعبدوا غيره، وهو أيضا رازقهم، ورغم ذلك يشكروا سواه،
وما كان ذلك منه - سبحانه – إلا لعظم الحلم والصبر والرحمة والعفو والفضل
الذي يعامل به الله – سبحانه – عباده
وفي حديث الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ما يؤكد ويدعم ذلك المعنى حيث قال
( صلى الله عليه وسلم) { ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له
الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم}
(7) فتح الباري: ج13 حديث رقم – 7378 –
فإذا كان الحق – تبارك وتعالى – قد فرض علين فريضة العبادة والطاعة، وفرض
على ذاته رزقنا، فإن نحن خالفناه في فريضته، لم يخالفنا في رزقه، الذي
يسوقه لنا رغم معصيتنا له، وعلى ذلك فيكون شرنا إليه – جل وعلا – صاعد،
وخيره رغم ذلك إلينا نازل.
كما إن تعجيل العقوبة ليس من شأنه، ولا من صفاته – جلت قدرته – فهو
سبحانه – القائل عن ذاته في الحديث القدسي الشريف: { ما غضبت على أحد
غضبي على عبد أتى معصية، فتعاظمها في جنب عفوي، فلو كنت معجلا بالعقوبة،
أو كانت العجلة من شأني، لعجلتها للقانطين من رحمتي، و لو لم أرحم عبادي
إلا من خوفهم من الوقوف بين يدي، لشكرت ذلك لهم، وجعلت ثوابهم منه الأمن
لما خافوا }(8) من الأحاديث القدسية: ياسين رشدي ص106 رواه الرافعي.
فالإنسان إذا أطاع الله، أطاعه كل شئ، وإذا عصاه، عصاه كل شئ، وفي
الحديث
القدسي( أوحى الله إلى داود – عليه السلام –( وعزتي وجلالي ما منْ عبد
يعتصم بي دون خلقي – أعرف ذلك من نيته – فتكيده السموات والأرض بمنْ
فيها، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما منْ عبد يعتصم بمخلوق دوني –
أعرف ذلك من نيته – إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، أرسخت الهوى من تحت
قدميه، وما منْ عبد يطيعني، إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، ومستجيب له
قبل أن يدعوني، وغافر له قبل أن يستغفرني ) ( 9) من الأحاديث القدسية
ياسين رشدي رواه ابن عساكر، والديلمي.
من كل ما تقدم يتضح لنا أن عبادة الله وطاعته – سبحانه وتعالى – من خلال
إتباع أوامره، واجتناب نواهيه، هي السبب الرئيسي الذي من أجله خلقنا، وهي
العلة المقصودة، والغاية المرجوة من وجود أدم وذريته في هذا الكون بعد
فساد المخلوقات التي سبقت وجود بني آدم في عمارة الأرض، ومن ثمة تكون
الدنيا بكل ما يجري فيها، وسيلتنا للوصول إلى العيش الطيب في الآخرة، وأن
كل ما نرغب في تحقيقه، والوصول إليه في الدنيا، لابد وأن يرتبط ارتباطا
وثيقا بمدى طاعتنا لله وبمدى التزامنا بما إليه أمر وبعدنا عما عنه نهى
وزجر.
ولذلك نجد الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – يخاطب عبد الله بن عباس
– رضي الله عنهما – وهو لا يزال غلاما قائلا: { يا غلام إني معلمك كلمات،
احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت
فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا
بشئ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد
كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف }
هذا وقد أعطى الحق – تبارك وتعالى – الإنسان القدرة على تنفيذ ما يوكل
إليه فعله، فقد خلق – سبحانه – كل شئ في الكون لأجل الإنسان، وخلق
الإنسان لأجله – جل شأنه – وأعطاه القوة والقدرة على النهوض بما يلقى على
عاتقه من مهام، ومما يؤيد ذلك، ما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – حيث
قال: { لما خلق الله الأرض، جعلت تميد، فخلق الجبال، وألقاها عليها
فاستقامت، فتعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد
من الجبال ؟! قال: نعم الحديد، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من
الحديد ؟! قال: نعم النار، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من النار ؟!
قال: نعم الماء، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من الماء ؟! قال: نعم:
الريح، فقالت: يارب هل من خلقك شئ أشد من الريح ؟! قال: نعم الإنسان }
(10) دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني د/ أحمد العمري ص 116
ومن لطيف من نختم به هذه المقالة، الحديث القدسي الذي أورده ابن كثير في
تفسيره، قال الحق – تبارك وتعالى – { ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب،
وتكفلت برزقك فلا تتعب، فاطلبني، تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شئ، وإن فتك
فاتك كل شئ، وأنا أحب إليك من كل شئ } (11) تفسير ابن كثير ج4 ص 203

صفة خلق آدم عليه السلام
قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي
الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {البقرة:30}
وقال – جل شأنه -: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا]
{النساء:1}
وقال – جل وعلا -: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ
خَبِيرٌ] {الحجرات:13}
هذا ولقد ورد ذكر آدم – عليه السلام – في القرآن الكريم خمسا وعشرين مرة
في خمس وعشرين آية، حيث ورد ذكره – عليه السلام – في سور:-
-    البقرة: خمس مرات الآيات: 31 – 33 – 34 – 35 – 37 –
-    آل عمران: مرتين الآيات: 33 – 59 –
-    المائدة: مرة واحدة الآية – 27 –
-    الأعراف: سبع مرات: الآيات: 11 – 19 – 26 – 27 – 31 – 35 – 172 –
-    الإسراء: مرتين: 61 – 70 –
-    الكهف: مرة واحدة الآية: - 50 –
-    مريم: مرة واحدة الآية: - 58 –
-    طه: خمس مرات الآيات: 115 – 116 – 117 – 120 – 121 –
-    يس: مرة واحدة الآية: - 60 – (1) الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية:
د/ فاطمة محجوب ج1 ص 426
كما اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم – عليه السلام – ففي موضع تشير
إلى أنه خلق من تراب، فقد قال تعالى: [إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]
{آل عمران:59}
وفي موضع آخر تشير إلى انه قد خلق من طين لازب قال تعالى: [وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ
قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا] {الإسراء:61}
وفي موضع ثالث تشير إلى أنه قد خلق من حمأ مسنون قال – جل وعلا شأنه –
[وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ]
{الحجر:26}
وبتدبر تلك الآيات ندرك أن جسد أدم عليه السلام قد مر بعدة مراحل قبل
دخول الروح فيه فقد خلق – الحق تبارك وتعالى –آدم عليه السلام من: تراب
ثم تحول إلى طينا لازب ثم تحول إلى حمأ مسنون، ثم صار صلصالا كالفخار.
أما عن سبب التسمية بآدم فقد قال الراغب الأصفهاني: آدم أبو البشر، قيل
سمي بذلك لكون جسده من أديم الأرض، وقيل لسمره في لونه، يقال رجل آدم نحو
أسمر، وقيل سمي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة، كما قال تعالى
[إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا] {الإنسان:2}
ويقال جعلت فلانا أدمة أهلي أي خلطته بهم، وقيل سمي بذلك لما طيب به من
الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله تعالى: [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] {الحجر:29} وجعل
له به الفهم والعقل والروية التي فضل بها على غيره، كما قال تعالى:
[وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ
وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى
كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] {الإسراء:70} وذلك من قولهم
الإدام وهو ما يطيب به الطعام، وفي الحديث الشريف: ( لو نظرت إليها فإنه
أحرى أن يؤدم بينكما ) أي يؤلف ويطيب (2) د/ فاطمة محجوب: مرجع سابق ج 1
ص 424
أما عن الأحاديث التي ذكرت خلق آدم – عليه السلام – فمنها قول رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ):
[ خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من
الملائكة، فاستمع ما يحيونك به، فهي تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام
عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل منْ
يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن. ](3) فتح الباري:
ابن حجر ج 6 ص 417 حديث 3326
وقال – صلى الله عليه وسلم – [ إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع
الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأبيض والأحمر و الأسود
وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك ] (4) المسند: الإمام/
احمد بن حنبل ج4 ص 400
وقال – صلى الله عليه وسلم – [ لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه،
فجعل إبليس يطيف به، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك ] (5) المسند:
الإمام/ احمد ج3 ص 152
وقال – صلى الله عليه وسلم – [ لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس،
فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله ](6) قصص
الأنبياء ابن كثير ص 41
وقال – صلى الله عليه وسلم – [ إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طينا ثم
تركه، حتى إذا كان حمأ مسنون، خلقه الله وصوره، ثم تركه حتى إذا كان
صلصالا كالفخار، قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم، ثم
نفخ الله فيه من روحه، فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس،
فلقاه الله رحمة به، فقال الله: يرحمك ربك، ثم قال له: يا آدم اذهب إلى
هؤلاء النفر من الملائكة، فقل لهم فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم،
فقالوا: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال: يا آدم هذه تحيتك وتحية
ذريتك، قال: يارب وما ذريتي ؟! قال: اختر يدي يا آدم، قال: اختار يمين
ربي، وكلتا يدي ربي يمين، فبسط كفه، فإذا به منْ هو كائن من ذريته في كف
الرحمن، فإذا رجال منهم أفواههم النور، وإذا رجل يعجب آدم نوره، قال:
يارب منْ هذا ؟! قال: ابنك داود، قال: يارب فكم جعلت له من العمر؟ قال:
جعلت له ستين سنة، قال: يارب أتم له من عمري حتى يكون عمره مائة سنة،
ففعل الله ذلك، وأشهد على ذلك، فلما تقدم عمر آدم، بعث الله له ملك
الموت، فقال آدم: أو لم يبق من عمري أربعين سنة ؟! قال الملك: أو لم
تعطها ابنك داود ؟! فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسى آدم فنست ذريته ] (7)
المسند: الإمام/ أحمد ج 2 ص 251
وقال – صلى الله عليه وسلم – [ كان طول آدم ستين زراعا في سبع أزرع
عرضا ] (8) المسند: مرجع سابق ج2 ص 535
تلك هي بعض الأحاديث النبوية الشريفة، التي تناولت خلق آدم عليه السلام.

كيف ُخلق آدم:-
فبعد أن خلق الله الكون بمشتملاته العديدة، التي قدرها – الحق تبارك
وتعالي - أراد أن يعمر ذلك الكون ، فأوحي إلي الأرض أني خالق  منك خلقا ،
منهم منْ يطيعني ، ومنهم منْ يعصاني ، فمنْ أطاعني أدخلته الجنة ، ومنْ
عصاني أدخلته النار ، ثم بعث إليها جبريل  - عليه السلام -  ليأتي بقبضة
من تراب الأرض ، فلما آتاها جبريل ليقبض منها القبضة ، قالت له الأرض:
إني أعوز بعزة الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئا يكون فيه غدا للنار نصيب .
فيرجع جبريل إلي ربه ، ولم يأخذ منها شيئا ، وقال : يا رب استعاذت بك ،
فكرهت أن أقدم عليها.
فأمر الله – عز وجل - ميكائيل - عليه السلام -  ، فأتي الأرض ، فاستعاذت
بالله ولم يأخذ منها
شيئا، كما فعلت مع جبريل - عليه السلام – ، فرجع ميكائيل إلي ربه، ولم
يأخذ منها شيئا.
فبعث الله – ملك الموت ،فأتي الأرض فاستعاذت بالله ، أن يأخذ منها شيئا ،
فقال  ملك الموت : واني أعوز بالله أن اعصي له أمرا ، فقبض قبضة من
زواياها الأربع ، من أديمها الأعلى ، ومن سبختها وطينها ، وأحمرها
وأسودها وأبيضها ، وسهلها وحزنها ،  فكان ذلك الاختلاف  في ذرية آدم حيث
كان منهم: الطيب والخبيث ، والصالح والطالح ، والجميل والقبيح ، وكذلك
اختلفت صورهم وألوانهم.
قال تعالي: [وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ
لِلْعَالِمِينَ] {الرُّوم:22}
ثم صعد بقبضة التراب ملك الموت إلي الله - جلت قدرته - فأمره أن يجعلها
طينا ويخمرها فعجنها بالماء المر والعذب والملح ، حتى جعلها طينا ،
وخمرها ، فلذلك اختلفت أخلاقهم ، ثم تركها أربعين سنة ، حتى صارت طينا
لازبا لينا ، - واللازب هو الذي يلزق بعضه بعضا – ثم تركها أربعين سنة
حتى صارت صلصالا كالفخار ، وهو الطين اليابس ، إذا ضربته بيدك صلصل –
محدثا صوتا – ليعلم أن أمره بالصنع والقدرة ، لا بالطبع والحيلة ، فإن
الطين اليابس لا ينقاد ، ولا يتأتى تشكيله ، ثم جعله جسدا ، وألقاه علي
طريق الملائكة ، التي تهبط إلي السماء ، وتصعد منها أربعين سنة ، فذلك
قوله تعالي : [هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ
يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا] {الإنسان:1}
قال ابن عباس : الإنسان آدم ، والحين أربعون سنة ، كان آدم جسدا ملقيا
علي باب الجنة ( الترمذي)فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان
أشدهم منه فزعا إبليس، فكان إذا مر به فيضربه، فيصوت الجسد كما يصوت
الفخار ، فيكون له صلصلة ، فذلك قوله تعالى حين يقول : [خَلَقَ
الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالفَخَّارِ] {الرَّحمن:14}
وكان إبليس يقول : لأمر ما خلقت ، ودخل في فيه ، وخرج من دبره ، وقال
للملائكة لا ترهبوا من هذا ، فان ربكم صمد ، وهذا أجوف ، ولئن سلطت عليه
لأهلكته .
روي أنس ابن مالك أن النبي (صلي الله عليه وسلم ) قال : ((لما خلق الله
آدم ،تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يطف به ؛ فلما رآه أجوف عرف أنه
خلق لا يتمالك)) المسند: الإمام أحمد بن حنبل.
وسأل عبد الله بن سلام رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) : كيف خلق الله
آدم عليه السلام ؟ فقال : (( خلق رأس آدم وجبهته من تراب الكعبة ، وصدره
وظهره من بيت المقدس ، وفخذيه من اليمن ، وساقيه من أرض مصر ، وقدميه من
أرض الحجاز ، ويده اليمني من ارض المشرق ، ويده اليسرى من أرض المغرب ،
ثم ألقاه علي باب الجنة ، فكلما مر عليه ملأ من الملائكة عجبوا من حسن
صورته ، وطول قامته ، ولم يكونوا قبل ذلك رأوا شيئا يشبهه من الصور .
هذا عن خلق جسد آدم قبل دخول الروح إليه.
أما نفخ الروح : - قال العلماء : لما أرد الحق - تبارك وتعالي – أن ينفخ
الروح في آدم ، أمرها أن تدخل فيه ، فقالت الروح : مدخل مظلم بعيد القعر
– فقال للروح الثانية ، فقالت مثل ذلك ، وكذلك ثالثة ، إلي أن قال في
الرابعة أدخلي كرها ، وأخرجي كرها فلما أمرها – سبحانه وتعالي – بذلك ،
دخلت في فيه ، فأول ما نفخ فيه الروح دخلت من دماغه ، فاستدارت فيه مقدار
مائتي عام ، ثم نزلت في عينيه ، والحكمة في ذلك ، أن الله – تعالي – أراد
أن يري آدم بدء خلقه وأصله ، حتى إذا تتابعت عله الكرامات ، لا يدخله
الزهو ولا العجب في نفسه.
ثم نزلت الروح في خياشيمه ، فعطس ، فحين فراغه من عطا سه ، نزلت الروح
إلي فيه ولسانه ، فلقنه الله تعالي أن قال: الحمد لله رب العالمين ، فكان
ذلك أول ما جري علي لسانه ، فأجابه الله- عز وجل - يرحمك الله يا آدم
للرحمة خلقتك ، ثم نزلت الروح إلي صدره وشرايينه ، فأخذ يعالج القيام ،
فلم يمكنه ذلك ، وذلك قوله تعالي [وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ
دُعَاءَهُ بِالخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا] {الإسراء:11}  وقوله
تعالي [خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا
تَسْتَعْجِلُونِ] {الأنبياء:37}  فلما وصلت الروح إلي جوفه اشتهي
الطعام ، فهو أول حرص دخل جوف آدم - عليه السلام -.
وذكر الترمذي أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال))لما خلق الله
آدم ، مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلي يوم
القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وميضا ((بريقا)) من نور ، ثم
عرضهم علي آدم ، فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم والأبرص
والأعمى و أنواع الأسقام فقال آدم : يا رب لما فعلت هذا بذريتي؟! قال: كي
تشكر نعمتي. الترمذي.
فلما أتم الله خلق آدم عليه السلام ، ونفخ فيه الروح ،قرظه وشقه وصوره
وختمه ، وأنطقه وألبسه من لباس الجنة ، وزينة بأنواع الزينة ، يخرج من
ثنياه نور كشعاع الشمس ، ثم رفعه علي سرير ، وحمله علي أكتاف الملائكة ،
وقال لهم : طوفوا به في سماواتي ليري عجائبها وما فيها ، فيزداد يقينا ،
فقالت الملائكة : لبيك ربنا سمعنا وأطعنا.
فحملته الملائكة علي أعناقهم ، وطافت به السموات مقدار مائة عام ، حتى
وقف علي كل آياتها وعجائبها ، ثم خلق – الله تعالى - فرسا من المسك
الأذفر ، يقال له الميمون له جناحان من الدر والجوهر ، فركبه آدم - عليه
السلام - ،وجبريل أخذ بلجامه ، وميكائيل عن يمينه ، واسرافيل عن شماله ،
فطافوا به السموات كلها ، وهو يقول السلام عليكم يا ملائكة الله
فيقولون : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته –
فقال الله - تعالي- لآدم : هذه تحيتك ، وتحية المؤمنين من ذريتك فيما
بينهم إلي يوم القيامة. دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني: د/
احمد العمري ص 119
ولهذا السياق الذي أوردنا ليعبر عن كيفية خلق آدم شاهد من الأحاديث
النبوية مثل ما تقدم ، وإن كان أغلب ما ورد في ذلك من الاسرائليات ويعلق
د/ محمد وصفي علي القول بأن خلق الإنسان قائلا: ونعتقد أن خلق الإنسان من
طين يندرج تحت باب العقائد ، وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقيقة ، فقد
وجد أن الجسم الإنساني ، يتكون من سلالة خاصة من عناصر القشرة الأرضية
بنسب خاصة ، قال تعالي:[وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي
خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] {الحجر:28}
والمعروف أن لفظ الصلصال يشير إلي أجزاء التربة الخصبة الغنية بالعناصر ،
التي ينمو فيها النبات نموا طبيعيا طيبا ، وغنية بالعناصر الستة عشر التي
اختيرت من الستة وتسعين عنصرا المعروفة اليوم . الموسوعة الذهبية للعلوم
الإسلامية: د/ فاطمة محجوب ج1 ص 432
هذا ما يتصل بقصة خلق ـ آدم عليه السلام - ، وعن كيفية خلقه ، وكيفية
دخول الروح فيه ، ذلك المخلوق الذي اقتضت إرادة الله أن يكون خليفته في
الأرض ، يعمل علي عمارة ذلك الكون ، وفي نفس الوقت يلتزم بعبادة – الله-
الذي خلقه بيديه ، ونفخ فيه من روحه ، وأوجده من عدم ، وسخر له كل ما في
الكون ، من أجل ذلك الهدف ، كما أسجد له ملائكته ، وفضله عليهم ، كل ذلك
من أجل حقيقة ثابتة ألا وهي عبادة الله
تعالي..
صفة خلق حواء
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي
تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا]
{النساء:1}
يقول الله – تعالى – آمراً خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له،
ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من نفس واحدة، وهي آدم – عليه
السلام – ( وخلق منها زوجها ) وهي حواء – عليها السلام – خلقت من ضلعه
الأيسر من خلفه، وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها، وأنست
إليه.
قال ابن عباس:
( خلقت المرأة من الرجل، فجًعلت نهمتها فيه، وخلق الرجل من الأرض فجًعل
نهمته في الأرض، فاحبسوا نسائكم) تفسير ابن كثير ج 1 ص 424
وفي الحديث الصحيح: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
{ إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه
كسرته، وإن استمتعت بها، استمتعت بها وفيها عوج ) تفسير ابن كثير ج1 ص
424ح
ومما بلغنا عن أهل الكتاب:
إن الله ألقى السنّة على آدم فنام، فأخذ ضلعا من شقه الأيسر، ولأم مكانه
لحما،
وآدم نائم، لم يهب من نومه، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها
امرأة ليسكن إليها، فلما كُشف عن آدم السنّة، وهب من نومه، رآها إلى
جنبه، فقال – فيما يزعمون – والله أعلم – لحمي ودمي وزوجتي، فسكن إليها )
تفسير ابن كثير ج1 ص 76
ومما حكاه السدي عن ابن عباس:
أُخرج إبليس من الجنة، وأُسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحشيا، ليس له
زوج يسكن إليه، فنام نومه، فاستيقظ، وعند رأسه امرأة قاعدة، خلقها الله
من ضلعه، فسألها منْ أنت ؟ قالت: امرأة. قالت الملائكة _ ينظرون ما بلغ
من علمه – ما اسمها يا آدم ؟! قال: حواء، قالوا: ولما حواء؟! قال: إنها
خلقت من شئ حي. تفسير ابن كثير ج 1 ص 76.
وفي الصحيحين من حديث زائدة:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
{ استوصوا بالنساء خير، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شئ في
الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا
بالنساء خيرا } البداية والنهاية: ابن كثير ج1 ص 25.
ومن هنا يتضح لنا أن حواء عبارة عن جزء، خلق من الكل ألا وهو آدم – عليه
السلام- وأن آدم خلق من التراب، أما حواء فخلقت من شئ حي نابض بالحياة،
ألا وهو آدم، فحواء خلقت من احد أضلع آدم – عليه السلام – وصورها – الله
تعالى – في جسم أنثى، كما اقتضت مشيئته – تعالى – أن يخلق آدم من تراب،
ويصوره رجلا.
هذا ويرى د/ محمد وصفي رأيا آخر في مسألة خلق حواء:
فهو يرى أن حواء خلقت من نفس العناصر التي خلق منها آدم، وأن نفسها نفس
إنسانية، فهي من الجنس البشري وليست من جنس الملائكة أو الجن أو
الحيوانات، فالله خلق زوج آدم من نفس آدم، كما خلق لنا من أنفسنا أزواجا
قال تعالى: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً
وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ]
{الرُّوم:21}
أما ما يتعلق بالأحاديث النبوية الشريفة: التي ترى أن حواء خلقت من ضلع
آدم الأيسر، فيرد على ذلك بقوله: إنها ذات معنى مجازي، وهو أن المرأة قد
خلقت أنثى لها الخليقة والعقلية والنفسية الخاصة بأنوثتها، والتي يعتبرها
البعض شذوذا أو انحرافا، إذا حاول مقارنتها بالصفات المميزة للرجولة.
الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية: مرجع سابق ج1 ص 434
وجاء في العهد القديم فيما يخص خلق حواء ما نصه:
[ فأوقع الرب الإله سُباتا على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلعه، وملأ
مكانها لحما، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى
آدم. ] سفر التكوين: - 20 – 21 – 22 –
وفي عقيدة الهندوس يُقال: [ إن الإله براهما خلق جسما عملاقا وعملاقة
متعانقين ثم نفخ في الجسم العملاق، فإذا به ينشق نصفين: نصفا لرجل، ونصفا
لامرأة، واجتمع الزوجان، وكان من نسلهما البشر] كتاب الهندوس المقدس:
هنوسمرتي النص 32 ص 20
هذا ما ورد في خلق حواء – عليها السلام – وبعض أوجه الخلاف حول خلقها،
ولكن مهما يكن من أمر، فهي أول امرأة خلقها الله – سبحانه وتعالى – وثاني
المخلوقات بعد آدم – عليه السلام – وهي لذلك تُعتبر أم البشر جميعا،
مثلما آدم أبو البشر جميعا، ولقد خلقها – الله جل وعلا – لكي تؤنس آدم في
الجنة، ومن نسلمها تكون البشرية، وتعمر الأرض بهم.
كما أن الخلاف حول خلق حواء لا مسوغ له، وذلك لأنه لا اجتهاد مع وجود نص،
ولدينا أكثر من حديث صحيح يؤكد أن حواء خلقت من أحد أضلع آدم – عليه
السلام – وبالتالي فلا مبرر لذلك الخلاف، كما لا يجوز حمل الأحاديث على
غير معناها بالقول أنها ذات معنى مجازي فحواء جزء من آدم، ومن الطبيعي أن
يحمل الجزء صفات الكل، ومن هنا تكن العناصر التي خلقت منها حواء هي ذات
العناصر التي خلق منها آدم، وكذلك الروح التي في جسد آدم هي ذات الروح
التي في جسد حواء، وعلى ذلك فالخلاف لا أصل له، فغصن الشجرة يحمل نفس
الصفات التي تشتمل عليها الشجرة.

اقرا الجزء الثانى من البحث فى  - الناشر الاستاذ علاء محمد اسماعيل            : Alfahd99999.maktoobblog.com
Alfahd99999.blogspot.com
Mrx540.blogspot.com
Mrx777.blogspot.com                                         جميع المقالات والابحاث التى تنشر تعبر عن اصحابها فقط - للابلاغ عن مخالفه لحقوق الملكيه الفكريه يرجى مراسلتنا - alatech55@yahoo.com - alatech55@hotmail.com - لنشر ابحاثك ومقالاتك على صفحات مواقع ومدونات شريعة من مجانا فقط راسلنا - وانشر مجانا واضف روابط مواقعك على صفحاتنا
المصدر: علاء محمد اسماعيل- مدون- رابط الدونه http://alfahd99999.maktoobblog.com/
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق